إنها الصابرة، كانت تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت النبي صلى الله عليه وسلم نار، كانت تعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماء والتمر .
عن عروة، عن عائشة ، أنها قالت لعروة : بن أختي ، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار .
فقلت : ما كان يعيشكم ، قالت : الأسودان التمر ظاهرا ، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه . ([1])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم ارزق آل محمد قوتا" .([2]) .
وإنها الزاهدة ،الكريمة .
عن تميم بن سلمة عن عروة ، قال : لقد رأيت عائشة - رضي الله عنها – تقسم سبعين ألفاً ، وإنها لترقع جيب درعها .
وأُتيت مرة بمائة ألف درهم وكانت صائمة ففرقتها كلَّها ، وليس في بيتها شيءٌ ، فلما أمست ، قالت : ياجارية ، هلمي فطري ، فجائتها بخبز وزيت ، ثم قالت الجارية : أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحماً بدرهم نفطر عليه ، قالت : لا تعنفيني ، لو كنتِ ذكرتيني لفعلت .([3])
وعن محمد بن عمرو بن عطاء العامري ، قال : كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها أزواجه ، وإن سودة بنت زمعة أوصت ببيتها لعائشة وإن أولياء صفية بنت حيي باعوا بيتها من معاوية بن أبي سفيان بمائة وثمانين ألف درهم ، قال بن أبي سبرة : فأخبرني بعض أهل الشام أن معاوية أرسل إلى عائشة أنت أحق بالشفعة وبعث إليها بالشراء واشترى من عائشة منـزلها ، يقولون بمائة وثمانين ألف درهم ، ويقال بمائتي ألف درهم ، وشرط لها سكناها حياتها ، وحمل إلى عائشة المال فما رامت من مجلسها حتى قسمته ، ويقال اشتراه بن الزبير من عائشة بعث إليها ، يقال خمسة أجمال بخت تحمل المال فشرط لها سكناها حياتها فما برحت حتى قسمت ذلك ، فقيل لها : لو خبأت لنا منه درهما ، فقالت عائشة : لو ذكرتموني لفعلت .([4])
فصبرت رضي الله عنها ، ولم يزعجها الفقر ، ولم يبطرها الغنى ، صانت عزة نفسها فهانت عليها الدنيا فما عادت تبالي إقبالها ولا إدبارها .
وذكر طرف من مواعظها وكلامها .
عن عامر ، قال : كتبت عائشة إلى معاوية :
أما بعد ، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عز وجل عاد حامده من الناس ذاماً .
وطلب معاوية منها يوما حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصحه فيه ، فقالت له : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس و من أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس" .([5])
(من أرضى الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلى الناس) أي لما رضي لنفسه بولاية من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وكله إليه (ومن أسخط الناس لرضى اللّه كفاه اللّه مؤونة الناس) لأنه جعل نفسه من حزب اللّه ولا يخيب من التجأ إليه { ألا إن حزب اللّه هم المفلحون} ، أوحى اللّه إلى داود عليهالسلام ما من عبد يعتصم بي دون خلقي فتكيده السماوات والأرض إلا جعلت له مخرجاً وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه وأسخطت الأرض من تحت قدميه.
وعنها أيضاً رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس و من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس" .([6])
وعن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : إنكم لن تلقوا الله بشيء خير لكم من قلة الذنوب فمن سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن كثرة الذنوب .([7])
ذكر غزارة علمها رضي الله عنها
قالت عائشة رضي الله عنها : جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ : إنَّ عمي من الرضاعة استأذن عليَّ فأبيتُ أن آذن له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فليلج عليك عمُّك " .
فقلتُ : إنما أرضعتني المرأة ! ولم يرضعني الرجل ، فقال :
"إنًّه عمُّك فليلج عليك" .([8])
وها هي رضي الله عنها تقول : كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي - رضي الله عنه - واضعة ثوبي ، وأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر - رضي الله عنه - والله ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه .
فقد كانت رضي الله عنها قوية في دين الله تعالى ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتغضب من أجل الله عز وجل ، تقول أم علقمة بنت أبي علقمة : رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها ، فشقته عائشة عليها ،
وقالت : أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور ؟ ثم دعت بخمار فكستها.
[1]) ) أخرجه البخاري برقم (6094) ، باب القصد والمداومة على العمل وأخرجه مسلم برقم (2972) .
[2]) ) أخرجه البخاري برقم (6095).
[3])) حلية الأولياء (2/47) .
[4]) ) الطبقات الكبرى (8/165) .
[5] )) صحيح الجامع حديث رقم (6010) .
[6]) ) صحيح الجامع حديث رقم (6097) .
[7]) ) صفوة الصفوة (2/32) .
[8]) ) رواه البخاري برقم ( 2644) ، ومسلم ( 1445) .